الأقوال التي ينبغي أن تعلم هي ثلاثة أقوال:
الأول: قول
أهل السنة، وقد عرفناه.
الثاني: قول
المعتزلة وهو معروف، وهو قول
الشيعة الزيدية، و
الإثني عشرية و
الخوارج وأمثالهم وهو أنه مخلوق، فكما أن الله خلق الشجرة، وخلق آدم، وخلق عيسى وخلقنا، فكذلك خلق الكلام.
الثالث: وهو قول
الكلابية و
الأشعرية، وهو التفريق بين الكلام النفسي والكلام اللفظي، فهم يقولون: إن الكلام في الحقيقة هو الكلام النفسي، أي: الذي في النفس، ويستشهدون على ذلك بأدلة، منها قوله تعالى: ((
وَيَقُولُونَ فِي أَنفُسِهِمْ لَوْلا يُعَذِّبُنَا اللَّهُ بِمَا نَقُولُ))[المجادلة:8] وقول
عمر : [[
زورت في نفسي كلاماً...]] وغيرها، ويقولون: هذا هو الكلام، وأما ما يعبر به اللسان -أي النطق- فهو إما تعبير عن الكلام النفسي، أو حكاية عنه، أو تمثيل للكلام النفسي، ويستدلون بهذا البيت الذي قاله
الأخطل النصراني :
إن الكلام لفي الفؤاد وإنما جعل اللسان على الفؤاد دليلا
فيقولون: إن الكلام هو الكلام النفسي.
وهذا البيت قد نازعهم العلماء في الاستدلال به من وجوه كثيرة:
الأول: من حيث لفظه؛ فإن المشهور أنه:
إن البيان لفي الفؤاد وإنما جعل اللسان على الفؤاد دليلا
بمعنى أن البيان في القلب والكلام في اللسان، فالكلام يعبر عما في القلب، وهذا معلوم عند العقلاء جميعاً... وهذا على تقدير ثبوت هذا البيت.
الثاني: أن يقال: عجباً لكم أيها
الأشعرية ! بيت مفرد مشكوك في نسبته وألفاظه، لشاعر نصراني -وهو
الأخطل - تجعلونه عمدة لكم وتردون به كتاب الله، والأحاديث المتواترة الصحيحة، وإجماع
السلف الصالح جيلاً بعد جيل، فقد ذكر الإمام
اللالكائي رحمه الله طبقات أهل العلم طبقة عن طبقة، من الصحابة إلى التابعين وتابعيهم في الأمصار المختلفة، وكلهم يقولون: كلام الله غير مخلوق، وينكرون على من قال: إنه مخلوق، ومنهم من يقول عن ذلك القائل: كافر، ومنهم من يقول: ضال، وكما يقول
ابن القيم : لو أخذنا من شعراء النصارى أي شيء، فلن نأخذ منهم ما يتعلق بموضوع الكلام بالذات؛ لأنهم يقولون: إن عيسى الكلمة، فاللبس والشبهة عند النصارى هي في مسألة الكلمة، وهي في معنى الكلام، فلا يؤخذ منهم هذا المعنى.
فهذا هو الاحتمال الأول الذي ذكره المصنف رحمه الله في شرحه لقول
الطحاوي: [ولا نجادل في القرآن] وأما الاحتمال الثاني فقد ذكره المصنف بقوله: [ويحتمل أنه أراد: أنا لا نجادل في القراءة الثابتة] وهذا موضوع لا علاقة له بمسائل العقيدة.
وقد يحتمل كلام
الطحاوي معنى ثالثاً، ولعله أولى، وهو عدم ضرب القرآن بعضه ببعض؛ لأن ذلك ينافي الإيمان بأنه حق كله، وأنه يصدق بعضه بعضاً، وأنه حوى الكمال، وقد تحدى الله به العالمين، فقال: ((
قُلْ لَئِنِ اجْتَمَعَتِ الإِنسُ وَالْجِنُّ عَلَى أَنْ يَأْتُوا بِمِثْلِ هَذَا الْقُرْآنِ لا يَأْتُونَ بِمِثْلِهِ وَلَوْ كَانَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ ظَهِيرًا))[الإسراء:88].
وهذا النوع هو من أخطر أنواع الجدال، وهو يتنافى مع الإيمان بالقرآن حقيقة، ومع الإيمان بالله تعالى والاستسلام له كما أمر سبحانه وتعالى، ومن خطورة هذا الاتجاه أننا نعاني منه في هذه الأيام، ويقوم هذا المنهج البدعي على ضرب كلام الله بعضه ببعض، ومحاكمة كتاب الله إلى الأهواء والعقول والشهوات، ويرد سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم بناءً على الأهواء والآراء، والشبهات والشهوات.